في الوقت الذي تعتبر فيه الجامعة ساحة لمعركة الأفكار والإبداع والإبتكار في بلدان أخرى تولي أهمية للإنسان وتمنحه الإمكانيات من أجل أن يطور ذاته وينمي أفكاره مازالت الصورة الطاغية في معظم الجامعات المغربية هي صراع السيوف والشواقير وكأننا في معركة من معارك القرون الوسطى وليس في مؤسسة جامعية.
مازلت أتذكر جيدا سنة 2001 وهي السنة التي نلت فيها شهادة الباكالوريا، تلك السنة شهدت جامعة فاس تدخلا سافرا من طرف الأمن في حق الطلبة والنتيجة التي يعرفها الجميع كانت وفاة طالب ألقى بنفسه من شرفة الدور الثاني بالحي الجامعي بعد أن حاولت عناصر الأمن اقتحام غرفته. آنذاك رفضت عائلتي السماح لي بالالتحاق بالجامعة في البداية خوفا على سلامتي.
جامعة فاس لطالما كانت ساحة لمعارك طاحنة بين الطلبة القاعديين والطلبة الإسلاميين، هذه المعارك خلفت الكثير من الضحايا والمعطوبين على مدى سنوات وأكيد أن الطالب الحسناوي الذي توفي مؤخرا لن يكون آخر ضحايا الجهل وتغليب منطق السيف على منطق العقل.
إن كان هذا الأمر يحدث في الجامعة-التي أعيد وأذكر أنها مكان لتنمية الفكر وتطوير الذات وبناء الإنسان الواعي المفكر المسؤول والمتقبل للآخر بالرغم من اختلافه- فماذا يمكننا أن نتوقع أن يحدث في أماكن أخرى ومن أشخاص أقل وعيا، لذلك لا نستغرب وجود ظاهرة التشرميل التي غزت مدننا في الأسابيع الأخيرة وهو ما يشكل دليلا آخر على الانحراف الخطير الذي يتهدد ليس فقط مستقبل هؤلاء الشباب وإنما مستقبل البلد ككل.
تعاطي الدولة مع اغتيال الطالب المحسوب على التيار الإسلامي الذي يقود الحكومة لم يكن موفقا على الاطلاق، حضور بعض الوزراء لجنازة الطالب في مدينة الرشيدية شئ مقبول لكن لا يجب أن يكون على حساب أمور أخرى فالوزير الداودي الذي ذرف بعض الدموع في جنازة الطالب الحسناوي هو نفسه من تجاهل واستهزأ السنة الماضية من اغتيال طالب آخر في نفس الجامعة من طرف الأجهزة الأمنية مجيبا بنوع من اللامبالات '' إيوا ومالو؟''
نفس الوزير صرح في البرلمان المغربي أن الطالب الحسناوي هو أول ضحية للعنف الجامعي ، أليس في هذا التصريح احتقار واغتصاب واغتيال آخر لكل أولائك الطلبة الذين سقطوا في الساحات الجامعية بما فيهم الطالب بن عيسى آيت الجيد الذي يتهم القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين بقتله؟
الدعوات التي ترفعها منظمة التجديد الطلابي ومن يتعاطفون معها والتي تطالب بحظر البرنامج المرحلي واعتباره منظمة إرهابية لن تحل المشكلة. إن كنا سنعتبر كل من قتل طالبا في الجامعة ارهابيا فعلينا أولا أن نعتبر الأمن أكبر إرهابي في البلد لأن أكبر عدد من الضحايا بالجامعات المغربية دمهم في عنق رجال ''السيمي'' الذين يتدخلون في كل مرة بدون رحمة ويعتدون على الطلبة.
في النهاية أتمنى صادقا أن يكون دم الطالب عبد الرحيم الحسناوي هو الأخير الذي يراق في ساحاتنا الجامعية، وأن تكون وفاته الشرارة التي تعيد للجامعة دورها الريادي في إخراج المفكرين وصناعة الإنسان.
الشخص الذي يقتل دفاعا عن أفكاره كان عليه أولا أن يوجه سيفه لتلك الأفكار لأنها لم تعد صالحة اليوم.
Comments
Post a Comment