لم ينحط العمل السياسي في تاريخ المغرب قط كما هو الحال الآن مع سياسيين يجيدون الكلام الفارغ أكثر مما يجيدون القيام بمهامهم سواء كانوا في الحكومة أو كانوا في المعارضة.
كل يوم أتساءل ما ذنب هذا الشعب كي يبتلى بهذا النوع من السياسيين. فالمتتبع للنقاش السياسي في المغرب يخال نفسه في حمام "العيالات" أو في سوق أسبوعي تتعالى فيه أصوات الباعة ويكثر الصراخ أكثر مما هو في مؤسسات يلزم أن يكون الكلام فيها مسؤولا ويعبر عن وعي واهتمام بشؤون المواطنين.
العمل السياسي تم تفريغه من محتواه وصرنا أمام مسرحية سخيفة تتبادل فيها أحزاب الحكومة والمعارضة الشتائم والاتهامات، فلا الحكومة أوفت بوعودها للناخبين ولا المعارضة مارست معارضة بناءة وحاولت البحث عن الحلول البديلة من أجل إقناع الناخبين بجدوى برنامجها.
الواقع أن سياسة الهجوم الكلامي وتبادل الشتائم والاتهامات التي تقوم بها الأحزاب المغربية سواء كانت في الحكومة أو المعارضة ليست وليدة اليوم وإنما نتيجة سنوات من التدجين قام بها النظام من أجل إفراغ هذه الأحزاب من محتواها وإظهار عورتها أمام العموم، في المقابل تم نفخ وتضخيم الدور الذي يقوم به الملك.
فالمتتبع للنشرات الإخبارية على القنوات يخرج بخلاصة مفادها أن الملك وحده من يعمل في هذا البلد، فهو لم يترك مدينة ولا بلدة إلا زارها من أجل التدشين وإطلاق المشاريع فهو يظهر أمام "رعاياه" وهو يمشي متكئا على عكازه، ويمشي في "الغيس" وكل ذلك من أجل مصلحة الوطن بينما لا تقوم الحكومة بأي شئ يذكر.
الأنشطة الملكية التي يتم إفراد الحيز الأكبر لها في كل نشرات الأخبار تلعب دورا خطيرا كونها ترسخ صورة في لا وعي المواطنين أن الملك وحده من يعمل والبلد من دونه الى خراب.
فكل المنجزات التي يتم تحقيقها تنسب إلى الملك، وكل الكوارث والنكسات من نصيب الحكومة.
الأحزاب السياسية المغربية واعية بهذا الأمر وتعرف جيدا أنها لا تملك قرارها السياسي، فالملك ومحيطه هم من يحرك الخيوط كيف شاؤوا وقتما شاؤوا وعلى الأحزاب بجميع تلويناتها الطاعة والخضوع. وهي في الواقع راضية بهذا الأمر مادامت تنعم ببعض الفتات الذي يلقى إليها من حين إلى حين.
الخاسر من كل ما سبق هو المواطن الذي فقد الثقة في كل شئ، لكن الخاسر الأكبر هو الوطن الذي صار عبارة عن رقعة شطرنج كبيرة وتحول فيها المواطنون إلى بيادق يتم التضحية بها من أجل الشاه.
Comments
Post a Comment