يوم طويل من الكهرباء يزحف على كوكبنا، لكن هل يمكن لعقولنا وأجسادنا أن تتحمل عالما بدون ظلام؟
أسبوع في البادية كان كافيا لأنعم ببعض الهدوء وأعيش وسط الطبيعة العذراء . فالطقس جميل، والهواء نقي. الليل يزحف على القرية باكرا جدا، الكل يذهب إلى منزله. في الليل يكون الظلام حالكا مما يتيح لك التمتع بمنظر القمر والنجوم.
هذه النعم يحرم منها من يعيش في المدينة حيث تداخل الليل مع النهار بفعل الإضاءة الدائمة وبفعل وسائل التكنولوجيا الحديثة التي تمنع الإنسان من النوم.
منذ أن احتلت المصابيح الكهربائية التي اخترعها أديسون مدننا, لم يعد معظم الناس يرون السماء. أزيد من 60 في المائة من سكان العالم وأكثر من 99 في المائة من سكان أمريكا وأوروبا يعيشون تحت سماء صفراء ملوثة بالكهرباء. بالنسبة لمعظمنا الطريقة الوحيدة لرؤية حزمة النجوم في مجرتنا درب التبانة هي أن نبحث عن الظلام الذي لم يعد موجودا للأسف إلا في البوادي. في النهاية كل شئ صنعه الإنسان صار مضاءا، الأسواق التجارية،المستشفيات،السيارات،الشوارع،القناطر،الموانئ، المطارات، البنايات. هذه الأضواء الاصطناعية تميز مدننا من القمر.إن زارنا سكان الفضاء يوما ما ستكون هذه أول علامة أن هناك شخصا ما في المنزل.
علوم الفضاء دائما ما اعتمدت على النجوم في السماء المظلمة.الحضارات القديمة كانت تستعمل النجوم كبوصلة من أجل تحديد الإتجاه في البحار والصحراء.
إكتشافات غاليلي و هابل المذهلة حدثت حينما كان الظلام سائدا وهو ما لم يعد متاحا حاليا
فالتلوث الضوئي يظهر أكثر وضوحا في الصور التي يتم التقاطها لمدننا من الفضاء.الولايات المتحدة مثلا تنقسم إلى جزئين، الجزء الشرقي مضئ والجزء الغربي أقل إضاءة.باستثناء لاس فيغاس.
الضوء دائما كان موجودا في الأرض لآلاف السنين قبل أن يكتشف أديسون المصباح. استعمل أجدادنا النيران من أجل التدفئة ومن أجل طهي الطعام. الأنتروبولوجي ريتشارد رانغهام من جامعة هارفارد يجادل في كتابه اشتعال النيران catching fire 2009 أن الاجتماع حول النار من أجل الأكل والتواصل مع اللآخر هو ما يجعلنا بشرا.
الإنسان دائما ما كان يخاف من الظلام لذلك حاول التخلص من الليل.ف '' الأرواح الشريرة لا تحب رائحة المصابيح'' كما قال بلوتو.
المعهد الوطني للنوم قال أن أكثر من 90 في المائة من الأمريكيين يستعملون وسائل إلكترونية قبل النوم.
هناك أدلة متزايدة على أن التلوث الضوئي يفاقم، وربما يكون السبب المباشر في الإصابة بالسرطان، السمنة والكآبة،
الإنسان اكتشف النار قبل 250 سنة مضت ولم يكتشف الكهرباء إلا قبل 130 عاما من الآن.
النهار في المدينة صار قصيرا بالنظر إلى المهام التي صار لزاما علينا أن نقوم بها، ابتداءا من العمل، القراءة، تصفح الأنترنيت، زيارة الأهل والأصدقاء، قضاء الوقت مع الأبناء والعائلة،الكتابة، البحث العلمي… لم يعد باستطاعتنا أن نقوم بهذه الأشياء لذلك صرنا نقتطع من سويعات نومنا بالرغم من قصرها من أجل أن نستفيد من وقتنا أكثر.
في الماضي كان الناس يعيشون لمئات السنين، أما الآن فالعمر صار قصيرا جدا، ويمر سريعا جدا بالنظر إلى الوسائل التكنولوجية والإبتكارات التي لم تجعل فقط حياتنا أيسر وساعدت على قضاء مهامنا بشكل أسرع، بل سرعت حتى وتيرة حياتنا مما جعلنا نسابق الزمن من أجل القيام بأكبر عدد من الأشياء قبل أن نغادر هذا العالم.
العالم في الماضي كان يتلحف بالظلام في الليل أما اليوم فصار كل شئ مضاءا مما يجعلنا نتوقع نهاية عصر الظلام، ربما في المستقبل القريب لن نعثر على مكان مظلم يمكن أن نتمتع فيه بنوم هادئ،ربما سيبتكر الإنسان وسائل جديدة تجعلنا نتجنب النوم بشكل نهائي. من يدري؟ كل شئ صار ممكنا في هذا العالم المجنون.
Comments
Post a Comment